حسني مباركقدمت الثورة المصرية للعالم أمس نموذجاً متحضراً لأول محاكمة لحاكم مصري منذ عهد الفراعنة، نزولا عند الضغوط الشعبية. وظهر الرئيس السابق حسني مبارك للمرة الأولى منذ خطابه الأخير، قبل تنحيه بيوم واحد في شباط (فبراير) الماضي، ليمثل أمام محكمة الجنايات وهو ممدد على سرير داخل قفص الاتهام الذي ظهر فيه أيضاً نجلاه علاء وجمال ووزير الداخلية في عهده اللواء حبيب العادلي وستة من كبار مساعدي الاخير. وغاب عن الجلسة الصديق الشخصي لمبارك رجل الأعمال حسين سالم الموجود في اسبانيا والذي يحاكم غيابياً.
وبعد تلاوة النيابة لائحة الاتهامات التي تضمنت التحريض على قتل المتظاهرين سأل رئيس المحكمة القاضي احمد رفعت الرئيس المصري السابق عن هذه التهم فنفى مسؤوليته وقال: «كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كاملة». وهي العبارة التي كررها من بعده ابناه في رد على سؤال للقاضي حول لائحة الاتهام في جرائم تصل عقوبتها بالنسبة الى مبارك والعادلي إلى الإعدام، وبالنسبة الى علاء وجمال إلى السجن المؤبد.
وطلب الدفاع عن مبارك حضور رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي ونائب الرئيس السابق عمر سليمان لسماع شهادتيهما في القضية. واقتصرت الاتهامات المتعلقة بالاتفاق والتحريض على قتل المتظاهرين على مبارك والعادلي ومساعديه، فيما يحاكم مبارك ونجلاه علاء وجمال وسالم عن وقائع تتعلق بقبول وتقديم رشاوى وفساد مالي وإضرار عمدي بالمال العام واستغلال النفوذ.
وطلبت النيابة من المحكمة توقيع أقصى العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات، والتي تصل إلى الإعدام شنقا في ما يتعلق بالاتهامات الخاصة بالتحريض على قتل المتظاهرين مع سبق الإصرار، بينما تصل العقوبات إلى السجن المشدد في قضايا الفساد المالي.
وأظهرت الجلسة أن المحامي فريد الديب يرأس الدفاع عن مبارك والعادلي في آن، ما يؤكد أنه لن يلجأ إلى إزاحة التهم عن واحد من موكليه والقائها على الآخر وإنما سيعتمد أسلوباً يقوم على نفي التهم عن الاثنين. وحين طال الوقت شوهد مبارك وهو ينظر في ساعته ويتحدث إلى نجله جمال، كما لوحظ أنه يحتفظ في يديه بخاتم الزواج ما يشكك في مزاعم حول تلقيه علاجاً.
وظل مبارك فترات طويلة واضعاً يده اليسرى على جبهته ومغمض العينين. وتحدث إلى نجليه مرات، إذ إن هذا اللقاء هو الأول بينهم بعد إيداعهما سجن مزرعة طرة في 13 نيسان (أبريل) الماضي. وظل علاء وجمال واقفين الى جوار والدهما في طرف قفص الاتهام، فيما جلس في الطرف الآخر العادلي ومساعدوه على مقاعد خشبية.
وقررت المحكمة في ختام جلستها أمس تأجيل محاكمة الرئيس السابق ونجليه، ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم إلى جلسة 15 آب (أغسطس) الجاري. كما أرجأت محاكمة العادلي ومساعديه إلى جلسة اليوم. وأمرت بإيداع مبارك مستشفى المركز الطبي العالمي على طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوي التابع للقوات المسلحة مع توفير الرعاية الطبية التي تستلزمها حاله الصحية، والسماح للفريق الطبي المعالج له بمتابعته.
وبدت مصر كلها وكأنها تعيش أمس يوماً استثنائياً في تاريخها، إذ خلت الشوارع تقريباً من السيارات والمارة، فما من منزل في مصر إلا وشاهد المحاكمة التي نقلها التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة.
وكان مبارك حضر من شرم الشيخ إلى مطار ألماظة الحربي في طائرة طبية ثم أقلته مروحية إلى أكاديمية الشرطة، وأخيرا نقل في سيارة اسعاف إلى قاعة المحكمة التي تقع داخل أكاديمية الشرطة التي ظلت حتى شهور قليلة تحمل اسم «أكاديمية مبارك للأمن» وهو المكان نفسه الذي وجه فيه مبارك آخر كلمة علنية إلى المصريين قبل اندلاع الثورة في الاحتفال بعيد الشرطة يوم 23 كانون الثاني (يناير) الماضي.
وما أثار الاستياء لدى المصريين ظهور ضباط في الجيش والشرطة وهم يصافحون العادلي وعلاء مبارك وهم يضحكون ويبتسمون عقب الجلسة وأثناء ترحيلهما إلى سجن طرة، وكأن ما كان يجري في القاعة احتفال بتكريمهم وليس محاكمة لهم.